ما فتئت الطبيعة تحكي أسرارها حتى يتبين للمرء أن تنوع الطبيعة ميزة كبرى ينفرد بها كوكب الأرض دون كواكب المجموعة الشمسية، ورغم هذا التنوع الرهيب إلا أن علماء الجغرافيا تمكنوا من تقسيم الأقاليم الطبيعية في الأرض إلى خمسة مناطق، حسب درجات الحرارة، وهي: مناطق مدارية حارة، أي أن متوسط درجة الحرارة بها لا يقل عن 18 درجة سليوزية، إلا أنها تملك رئة العالم؛ حيث إن بها غالب الحياة النباتية، وتنحصر هذه المنطقة بين خطي عرض 25 5 شمالًا وجنوبًا، أما المنطقة التي تليها، فهي المنطقة شبه المدارية، وتتميز بوجود فصل يتراوح ما بين ثلاثة أشهر وثمانية، ويكون متوسط درجة الحرارة أثناءه أعلى من 10 5 سيلوزية، أما باقي السنة فتكون درجات الحرارة به مثل سابقه، وهو يمتد حتى خط عرض 40 شمالًا متداخلًا مع المنطقة المعتدلة، التي لا تكون مثل المنطقة الأولى سوى في فصل الصيف (ثلاثة أشهر فقط على الأكثر)، ويمتد حتى دائرة عرض 40 شمالًا وجنوبًا، أما ابتداء من دائرة عرض 40 شمالًا حتى 66,5 شمالا فإن درجات الحرارة تنخفض بشدة طوال العام، ولهذا تُسمى بالمنطقة الباردة، ويكون متوسط الحرارة بها أقل من 10 درجات مئوية، وبهذا فإنه يمكننا القول إن العلماء قسموا العالم لعدد من الأقاليم وفق معيار واحد، وهو درجة الحرارة، حيث إن الكثير من العلماء ينسبوا لدرجة الحرارة الفضل الأول في تَكَوُّن هذه الأقاليم، بما تصنعه من تأثير واضح في باقي عناصر الغلاف الجوي، والذي ينعكس بدوره على العناصر الطبيعية على الأرض.
وتعال معًا لنلقي نظرة على إحدى هذه المناطق، ألا وهي المنطقة الحارة، أو الإقليم الاستوائي، ويعرف هذا الإقليم -أحيانًا – بالإقليم المداري المطير طوال العام، وإن كان الإقليم المداري المطير طوال العام أوسع في توزيعه من الإقليم الاستوائي ، فهو يتعدى العروض الاستوائية ليشمل بعض المناطق التي يعتبرها هربرستن ضمن الإقليم الموسمي، مثال ذلك: جزر الهند الغربية، والسواحل الشرقية لامريكا الوسطى، وبعض جهات شبه جزيرة الهند الصينية، كل هذه المناطق يسقط المطر فيها طوال العام بسبب ظروفها المحلية، ما يبرر استبعادها من الإقليم الموسمي، واعتبارها ضمن الإقليم المداري المطير طوال العام؛ لذلك بدأ بعض الكتاب يَتَحَرَّر من استخدام تعبير الإقليم الاستوائي تجنبًا للخلط بينه وبين الإقليم المداري المطير طوال العام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجد أن بعض الجهات الواقعة في العروض الاستوائية، والتي تُعتبر من صميم الإقليم الاستوائي لا يسقط مطرها طوال العام، بحكم موقعها بالنسبة للرياح السائدة، مثال ذلك: بعض جهات حوض الأمازون، التي تحميها مرتفعات جيانا من الرياح التجارية الشمالية الشرقية، وبعض جهات ساحل غانا الأفريقي التي تستقبل مطرًا في الصيف يفوق ما تستقبله في الشتاء .
كل هذا أدَّى إلى صعوبة التمييز – إلى حد ما – بين الإقليم المداري المطير طوال العام، والإقليم الموسمي، مما دعى بعض الكتاب إلى ادماجهما واعتبارهما إقليما واحدًا، أطلقوا عليه اسم “إقليم الغابات المدارية المطيرة”، وعلى هذا الأساس تشمل الأقاليم المدارية المطيرة في نظرهم إقليمين فقط، هما: إقليم الغابات، وإقليم السافانا، وواضح أن تقسيمهم لتلك الأقاليم يعتمد على أساس نباتي لا مناخي، ويتميز الإقليم الاستوائي بارتفاع حرارته طوال العام، إذ يتراوح متوسطها بين 26° مئوية و 28° مئوية، وذلك لأن الشمس تسقط أشعتها على هذه الجهات عمودية أو قريبة في العمودية، ولما كانت الشمس في حركتها الظاهرية تتعامد أو تكون قريبة من تلك الجهات طوال السنة، فإن المدى الحراري السنوي ضئيل، يبلغ درجتين مئويتين في المتوسط، وقلما يزيد على ثلاث درجات مئوية، أما المدى الحراري اليومي فإنه وإن كان صغيرًا إذا قورن بمثيله في الأقاليم الأخرى، إلا أنه يزيد كثيرًا في المدى السنوي، فهو يتراوح عادة بين خمس درجات وخمسة عشرة درجة مئوية، ولذلك يقال إن ليالي تلك الجهات هي شتاؤها ونهارها صيفها، وما ذلك إلا لأن المدى الحراري اليومي أكثر وضوحًا من المدى السنوي .
ويقع الإقليم الاستوائي في نطاق الرهو أو السكون الاستوائي من جهة، وعند جبهة التقاء الرياح التجارية من جهة أخرى، ويعمل ارتفاع الحرارة على تسخين الهواء الملامس لسطح الأرض، وبالتالي يعمل على تمدده وخفة وزنه وانخفاض كثافته، كل هذه الظروف تؤدي إلى تصاعد الهواء المحمل بالرطوبة إلى طبقات الجو العليا، وفي أثناء تصاعده يتكاثف بخار الماء بحكم انتقاله إلى طبقات من الجو أبرد نسبيًا، ويأخذ هذا التكاثف شكل سحب معظمها من النوع الركامي، كل هذه الظروف تؤدي إلى غزارة الأمطار في الإقليم الاستوائي من جهة، وعلى توزعه على شهور السنة جميعًا من جهة أخرى، والمطر في هذا الإقليم معظمه من النوع التصاعدي، وهو يسقط نتيجة لنظام ثابت يشهده الجو في تلك الجهات يوميًا تقريبًا، ففي الصباح المبكر يكثر الضباب، ولكنه ينقشع بين الساعة الثامنة والساعة التاسعة صباحًا، وتسطع الشمس حتى الظهر مما يساعد على سرعة التبخر وتصاعد الهواء، فإذا برد هذا الهواء المتصاعد المحمل بالرطوبة تَتَكَّوُّن السحب بعد الظهر، ثم يعقب ذلك سقوط المطر، وكثيرًا ما يكون المطر مصحوبًا بعواصف الرعد، ويتساقط المطر غزيرًا في الساعات الأخيرة من النهار، ولكنه لا يستمر إلا لمدة قصيرة، ويبلغ متوسط مجموع المطر السنوي في الإقليم الاستوائي نحو 200 سم، وهو معدل عالٍ جدًا، ويحدث نتيجة سقوط الأمطار يوميًا عليه، وإذا كان يزيد كثيرًا في بعض جهات الإقليم، وهذه الكمية الكبيرة من الأمطار تتوزع على شهور السنة جميعًا، فليس هناك شهر واحد من شهور السنة يشهد الجفاف، غير أن توزيع المطر على شهور السنة غير متساو، إذ إن نظام المطر هنا له قمتان، أحدهما في فصل الربيع، والثانية في فصل الخريف، وهما وقت تعامد الشمس تقريبًا على جهات ذلك الإقليم، وهاتان القمتان تقتربان من بعضهما كلما بعدنا عن خط الاستواء، ولا تلبثان أن تندمجا وتصبحا قمة واحدة، تتركز في فصل الصيف، وفي هذه الحالة نكون قد انتقلنا من الإقليم الاستوائي إلى إقليم السافانا، وفي فصلي المطر الغزير (الربيع والخريف) – في إقليمنا هذا – يسقط المطر معظم الأيام، وإن كانت هناك أيام قلائل لا يسقط فيها المطر، أما فصلا المطر القليل نسبيًا (الصيف والشتاء) فيمتازان بقلة عدد الأيام المطيرة، وبقلة ما يسقط منها يوميًا، ومعنى هذا أن الاختلاف الفصلي للمطر أكثر وضوحًا من المدى السنوي للحرارة؛ ولذلك فإن المطر هو الذي يميز بين فصول السنة في هذا الإقليم لا الحرارة، كما هو الحال في سائر الأقاليم، ولعل أهم المناطق التي يتمثل فيها الإقليم الاستوائي، هي : حوض الأمازون بامريكا الجنوبية، وحوض الكونغو وساحل غانا بأفريقيا، و شبه جزيرة الملايو وجزر الهند الشرقية (إندونيسيا) في آسيا، ويزيد ما يسقط من المطر في جزر الهند الشرقية عما يسقط في كل من حوض الأمازون وحوض الكونغو؛ وذلك بسبب ارتفاع سطح جزر الهند الشرقية من جهة، وطبيعتها الجزرية من جهة أخرى، وهذا هو ما دعى هربرتسن إلى تقسيم أقاليمه الاستوائية إلى إقليمين، هما: الإقليم الاستوائي المرتفع أو الجزري، ويشمل جزر الهند الشرقية، وشبه جزيرة الملايو، أما الثاني فهو الإقليم الاستوائي المنخفض، ويشمل حوض الأمازون، وحوض الكونغو، وساحل غانا .